جريمة شهادة الزور

تعتبر الشهادة من أهم الوسائل التي يتم الإثبات بها، سواء كانت في المواد الجزائية او في المواد الحقوقية، حيث ان المشرع الأردني قد افرد فصلا مستقلا لبيان كيفية الإثبات بالشهادة في المسائل الحقوقية في قانون البينات رقم 30 لسنة 1952.[1] هذا وقد فصل المشرع عدة مواد في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961[2] لكي يوضح حالات الجواز من عدمه لاستعمال الشهادة كوسيله للأثبات. ولكن، ماذا لو احتج أحد الخصوم أمام القضاء بشهادة شاهد، وكانت أقوال هذا الشاهد غير متطابقة مع الحقيقة، سواء كانت الشهادة لصالحه أو ضده، وسواء كان هذا الشاهد ممن ورد ذكرهم في قائمة بيناته أو في قائمة بينات خصمه؟ الحل في هذه الحالة يكمن في إثبات أن هذه الشهادة غير صحيحة وتخالف الحقيقة عن عمد، أي إثبات أن الشاهد قد ارتكب جريمة شهادة الزور. وتالياً، سنتعرف على ماهية جريمة شهادة الزور، وأركان هذه الجريمة، وحدود العقاب المترتب عليها.

أولاً – تعريف جريمة شهادة الزور:

لم يرد تعريف واضح من المشرع الأردني في قانون العقوبات لجريمه شهاده الزور، إلا أن نص المادة (1/214) من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 تناولها على النحو التالي: “من شهد زورا امام سلطه قضائية او ما مور له او هيئه لها صلاحيات استماع الشهود محلفين او انكر الحقيقة او كتم بعض او كل ما يعرف من وقائع القضية التي يسال عنها سواء كان الشخص ادى الشهادة شاهد مقبول الشهادة او لم يكن او كانت شهادته قد قبلت في تلك الاجراءات ام او لم تقبل”. ولابد من الإشارة الى ان المشرع الأردني قد ذكر جريمة شهاده الزور في الباب الرابع من الفصل الأول تحت عنوان الجرائم المخلة بالإدارة القضائية. ونلاحظ ان المشرع اعتبر ان هذه ان الشهادة ولو لم يتم الحلفان تعتبر شهاده زور حيث ورد ذلك في نص المادة (3/214) وقد احسن المشرع في ذلك.

وقد عرفها الفقه بأنها شهادة تعتمد على الحنث باليمين الذي أداه الشاهد، سواء كان ذلك في قضية جزائية أو حقوقية، حيث يقوم الشاهد بالكذب والغش لصالح أحد أطراف الدعوى وربما ضده.[3] كما عرَّفها الفقه من جانب آخر بأنها جريمة نص عليها القانون، وتُفرض عقوبتها على الشخص الذي أدلى بأقوال كاذبة ومحرّفة للحقيقة في دعوى قضائية، وذلك بعد أدائه القسم بأن يقول الحقيقة.[4]

ونلاحظ ان جريمة شهاده الزور تعتبر من الجرائم الضرر او الجرائم التامة بمعنى انها من الجرائم التي يستلزم لتوافرها تحقيق نتيجة جرميه وهذا ما نستنتجه من نص المادة (215)، وبانها لا يتصور ان يكون هنالك شروع بجريمه شهاده الزور فاما الوجود او عدمه.

ثانياً – أركان جريمة الزور:

إن جريمة شهادة الزور، كغيرها من الجرائم، يشترط لقيامها توافر مجموعة من الشروط، إضافة إلى الركن القانوني المستمد شرعيته من نص المادة (1/214) من قانون العقوبات الأردني. أما عن أركان هذه الجريمة، فهي:

 1- الركن المادي 

استناداً إلى نص المادة (1/214) من قانون العقوبات الأردني، يتكون الركن المادي لهذه الجريمة من ثلاثة عناصر أساسية:

  • الشهادة امام القضاء سواء كان ذلك بدعوى مدنيه او جزائية او الشهادة امام أي هيئه لها صلاحيات الاستماع الى الشهود المحلفين.
  • الكذب في الشهادة والإصرار على ذلك.
  • وقوع الضرر او احتماليه وقوعه.

وبناء على سبق فأننا نلاحظ التالي:

  • ان المشرع الأردني جعل امكانيه وقوع جريمة شهاده الزور امام أي هيئه لها صلاحيات الاستماع الى الشهود المحلفين ولم يجعل ذلك مقصورا على الشهادة امام القضاء، وهذا ما ذكره صراحه في نص المادة (1/214) وقد احسن المشرع في ذلك.
  • ان الكذب المقصود في العنصر الثاني هو الكذب الذي من شانه التغيير في القناعة الوجدانية للمحكمة، اي ان يكون محل هذا الكذب في الوقائع منتج ومغير في الحكم النهائي الفاصل في الدعوة، اذ يشترط ان يقع ضرراً أو احتماليه وقوع هذا الضرر فانه من غير المتصور ان يقع ضرر جراء الكذب في وقائع غير منتجه في الدعوة .

إن المشرع لم يشترط الكذب وحده لإتمام العنصر الثاني من الركن المادي لجريمة شهادة الزور، بل اشترط الكذب مع الإصرار عليه. وقد ترك المشرع باب الرجوع عن الجريمة مفتوحاً لمن يتراجع عن شهادته قبل إنهاء التحقيق أو قبل إصدار أي حكم يدخل في أساس الدعوى، حتى لو كان الحكم غير مبرر. وهذا ما يُستدل عليه من نص المادة (215) من قانون العقوبات الأردني.

وعلاوة على ذلك، ليس من الضروري أن يتحقق ضرر لأحد أطراف الدعوى أو حتى للغير من جراء هذه الشهادة. يكفي لتحقق ركن الضرر أن يتم تضليل القضاء، وهو ما يُعد كافياً لاعتبار هذا الركن قائماً.[5]

2- الركن المعنوي

إن جرائم شهادة الزور تُصنَّف ضمن الجرائم المقصودة، ولذلك لا يُعاقب مرتكبها إذا لم يكن يقصد بفعله الكذب أو إخفاء الحقيقة أو جزءاً منها. وقد ورد في اجتهاد محكمة التمييز أن شهادة الزور تُعد من الجرائم القصدية التي يتطلب القانون فيها توافر القصد الجنائي، أي أن يكون الشاهد قد كذب عن علم وإرادة.[6] وبناءً على ذلك، لا يُعاقب الشاهد الذي يقع في الخطأ نتيجة ضعف ذاكرته أو ضعف إدراكه وتصوره للأمور. فالكذب الذي يُعاقب عليه هو الكذب المتعمد الصادر عن علم وإرادة.[7]

ثالثاً- حدود العقاب في شهادة الزور:

ان جريمة شهاده الزور هي من الجرائم الجنحوية في الأساس فقد قرر المشرع ان عقوبتها في قانون العقوبات الأردني هي الحبس من ثلاثة اشهر الى ثلاثة سنوات. واما عن عقوبة الجريمة في صورتها المشددة:

  • في حال كانت شهادة الزور أثناء تحقيق في جناية، أو إذا استعملت هذه الشهادة أمام القضاء وكانت الدعوى تتعلق بفعل يُشكِّل جريمة من النوع الجنائي، فإن العقوبة تكون الأشغال المؤقتة، وفقاً لنص المادة (2/214) من قانون العقوبات الأردني. ولم يحدد المشرع الأردني الحد الأدنى للعقوبة في النص المذكور. وبالرجوع إلى القواعد العامة التي تحكم قانون العقوبات، يُستفاد من ذلك أن الحد الأدنى للعقوبة هو ثلاث سنوات، بينما الحد الأعلى محدد بـ عشر سنوات.[8]
  • في حال تسببت شهادة الزور في الحكم على أحد بالإعدام أو بأي عقوبة مؤبدة، يكون الحد الأدنى لعقوبة الأشغال المؤقتة عشر سنوات. وبالرجوع إلى القواعد العامة، نجد أن الحد الأعلى لهذه العقوبة يكون عشرين سنة. [9]

واما في حاله التكرار :

فان المشرع لم يورد نصاً خاصاً في ذلك وعليه فانه يرجع في تطبيق العقوبة الى القواعد العامة المذكورة في القسم الثاني الفصل الثالث من قانون العقوبات. [10]

واما عن الظروف المخففة:

إذا وقعت شهادة الزور دون أن يؤدي الشاهد اليمين القانونية، يُفترض في هذه الحالة أن شهادة الشاهد مقبولة وأنه أدلى بأقواله بغير وجه قانوني. ويعود ذلك إلى تقصير المحكمة التي كان يجب عليها تحليفه اليمين، ولكن ذلك لم يحدث لأي سبب، مثل سهو المحكمة أو وقوعها في خطأ، كأن تعتقد خلافاً للحقيقة بعدم جواز تحليفه اليمين مع أنه كان يجب القيام بذلك.[11]

وعلاوة على ذلك، فقد أورد المشرع نصاً خاصاً في قانون العقوبات يتعلق بمن يُحرِّض على شهادة الزور، حيث نص على تخفيض العقوبة إلى النصف مقارنة بالعقوبة المفروضة على مرتكب الجريمة.[12]

الإعفاء من العقوبة:

يُلاحظ أن المشرع الأردني قد أضاف حالة خاصة تتعلق بالإعفاء من عقوبة شهادة الزور، وفق نص المادة (216) من قانون العقوبات الأردني، التي نصّت على ما يلي:

“1 ـ يعفى من العقوبة: أ. الشاهد الذي يحتمل ان يتعرض – اذا قال الحقيقة – لضرر فاحش له مساس بحريته او شرفه او يعرض لهذا الضرر الفاحش زوجه ولو طالقا، او احد اصوله او فروعه او اخوته او اخوانه او اصهاره من الدرجات ذاتها. ب. الشخص الذي افضى امام المحكمة باسمه وكنيته وشهرته ولم يكن من الواجب استماعه كشاهد او كان من الواجب ان ينبه الى ان له ان يمتنع عن اداء الشهادة اذا شاء. 2ــوفي الحالتين السابقتين اذا عرضت شهادة الزور شخصا آخر لملاحقة قانونية او لحكم خفضت العقوبة من النصف الى الثلثين.”

يُستفاد من نص المادة المذكورة أن الشاهد لكي يستفيد من حالتي الإعفاء المذكورتين، يشترط ألا يترتب على شهادته في الحالتين السابقتين أي ملاحقة قانونية لشخص آخر أو صدور حكم ضده.

 

بقلم المحامي: باسل عيد المومني